الاطلاع العقلي المباشر على الحقائق البَدَهية

الملخص

يُعدّ الوصول إلى المعرفة من أبرز خصائص الإنسان العاقل، ويعتمد الفكر في ذلك على منهجين أساسيين: العقل التحليلي الذي يسعى إلى الحقيقة عبر التفكيك والتفسير، والحدس الذي يقوم على الإدراك المباشر للحقائق دون جهد ذهني كبير. فالحدس، كما عرّفه الفلاسفة، هو إدراك عقلي مباشر وسريع للمعرفة، وهو شكل من أشكال الفكر يختلف عن العقل في طبيعته وآلياته. وتتمثل إشكالية هذا البحث في التوتر بين النزعة الحدسية والمذهب الحسي التجريبي الذي يربط المعرفة فقط بما هو محسوس. ومع سيطرة التجريبية منذ القرن السابع عشر في الفكر الإنجليزي على يد هوبز وبيكون ولوك، ظهر الفلاسفة الحدسيون كموقف مضاد يؤمن بإمكانية الوصول المباشر إلى الحقيقة دون استقراء أو تجربة. ويناقش البحث المواقف المختلفة نحو الحدس، بين من أقره منهجًا في المعرفة، ومن طبقه في الأخلاق أو الفن (الحدس الفني). وتهدف الدراسة إلى توضيح مفهوم الحدس وأنواعه، وتحليل أبرز المواقف الفلسفية حوله. وقد اعتمد البحث المنهج التحليلي لمتابعة تطور الفكرة في سياقها الجدلي، إلى جانب المنهج المقارن لإبراز الفروقات والاتفاقات بين الفلاسفة. وتوصل البحث إلى أن للحدس حضورًا معتبرًا في مداخل المعرفة المباشرة، ويمثل مسارًا فلسفيًا موازياً للمنهج العقلي والتجريبي، كما أشار إليه ابن سينا بوصفه "سرعة الانتقال من المعلوم إلى المجهول".